"يستعد المغرب لتنظيم تظاهرات رياضية متنوعة كبرى على المستوى القاري والعالمي، وهو ما يستدعي انخراط الجماعات الترابية بمختلف مستوياتها في الإعداد والتنظيم لضمان نجاح هذه الفعاليات."
تحدث عن الأدوار التي يمكن أن تضطلع بها الجماعة في تنظيم مثل هذه التظاهرات، مع توضيح كيفية تعبئة مختلف مصالحها واختصاصاتها.
الجـــــواب
المقدمة
يُعتبر تنظيم التظاهرات الرياضية الكبرى، سواء القارية أو العالمية، حدثًا وطنيًا بامتياز تتقاطع فيه الأبعاد التنموية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية، ويستدعي تعبئة جميع الفاعلين العموميين على المستويين المركزي والترابي.
وإذا كانت الدولة المغربية قد راكمت تجربة مهمة في احتضان تظاهرات رياضية ذات إشعاع قاري وعالمي (كأس العالم للأندية، الألعاب الإفريقية، وكأس إفريقيا للأمم 2025 المرتقبة، وكأس العالم 2030)، فإن هذا النجاح يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمدى جاهزية الجماعات الترابية باعتبارها المستوى الإداري الأقرب للمواطن والمجال الترابي المعني مباشرة بهذه التظاهرات.
فالقوانين التنظيمية للجماعات الترابية — وهي:
-
القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات،
-
والقانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم،
-
والقانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات —
تمنح رؤساء المجالس الترابية اختصاصات واسعة في مجال التنمية المحلية، وإعداد المرافق، والمحافظة على النظام العام في ميادين السلامة، والسكينة، والصحة العامة (المواد 83 و94 و100 و101 و102 من القانون التنظيمي 113.14).
وعليه، فإن دور الجماعات الترابية في تنظيم التظاهرات الرياضية لا يقتصر على الدعم الرمزي، بل يمتد إلى تعبئة المصالح والمرافق الجماعية، وتفعيل الشرطة الإدارية، وتنسيق الجهود اللوجستيكية والتقنية والصحية لضمان إنجاح هذه التظاهرات في أحسن الظروف.
العرض
أولاً: الإطار القانوني والمؤسساتي لدور الجماعات الترابية
ينبغي التذكير بأن التنظيم اللامركزي بالمغرب يقوم على مبدأ التدبير الحر (الفصل 136 من الدستور)، الذي يمنح للجماعات الترابية صلاحية تدبير شؤونها المحلية، في إطار احترام القوانين والأنظمة المعمول بها.
القانون التنظيمي رقم 113.14، في مادته 83، يُخوِّل للجماعة اختصاصات ذاتية تتعلق بتهيئة التراب المحلي، والنقل، والإنارة، والنظافة، وتنظيم الأنشطة التجارية والأسواق والمهرجانات المحلية، وهي كلها مجالات تتقاطع مع متطلبات تنظيم تظاهرة رياضية كبرى.
أما المادة 100 فتؤكد أن رئيس المجلس الجماعي هو السلطة الإدارية المكلفة بتطبيق قرارات المجلس وممارسة الشرطة الإدارية، لضمان النظام والسلامة والصحة العمومية داخل النفوذ الترابي للجماعة.
ويستفاد من ذلك أن الرئيس يمكنه اتخاذ قرارات تنظيمية خاصة تتعلق بتنظيم السير والجولان، ومراقبة الأنشطة التجارية، وتنظيم الفضاءات العمومية خلال التظاهرات.
كما تنص المادة 94 على أن المجلس الجماعي يُحدث ويُدبّر المرافق العمومية المحلية، بما في ذلك المرافق الرياضية والثقافية.
إضافة إلى ذلك، تلعب الجهات والعمالات والأقاليم دورًا داعمًا للجماعات عبر برامج التنمية الجهوية والإقليمية المنصوص عليها في القانونين 111.14 و112.14.
ثانيًا: أدوار الجماعة في الإعداد والتنظيم الميداني للتظاهرات الرياضية
في مجال الشرطة الإدارية وحفظ النظام العام
تُمارس الجماعة اختصاصاتها في ميدان النظام العام بمكوناته الثلاثة: الأمن، السكينة، الصحة العامة.
وفي سياق التظاهرات الرياضية، يتجسد ذلك في:
-
اتخاذ قرارات تنظيمية لضبط الأنشطة التجارية المؤقتة (باعة، أكشاك، مطاعم).
-
مراقبة إشغال الملك العمومي وتنظيمه وفق تراخيص مؤقتة.
-
منع الأنشطة المزعجة أو المهددة للسلامة.
-
التنسيق مع السلطات المحلية لتأمين محيط الملاعب والساحات العمومية.
ويتم ذلك بتعبئة الشرطة الإدارية الجماعية التي تعمل ميدانيًا لمراقبة مدى احترام القوانين التنظيمية، وضبط النظام داخل المجال الترابي.
في مجال تنظيم السير والجولان
تُعتبر الجماعة مسؤولة عن تنظيم حركة المرور داخل ترابها، بمقتضى المادة 100 من القانون 113.14.
وفي حالة تنظيم تظاهرة رياضية كبرى، تتخذ الإجراءات التالية:
-
إعداد مخطط استثنائي للسير والجولان لتسهيل الوصول إلى الملاعب ومناطق الفعاليات.
-
تحديد مواقف مؤقتة للسيارات والحافلات وتوفير لوحات التشوير.
-
التنسيق مع المصالح الأمنية والدرك الملكي لتأمين الطرق والممرات.
-
منع المرور في بعض المحاور خلال أوقات الذروة لضمان السلامة.
كما يمكن إصدار قرارات تنظيمية مؤقتة تتعلق بإغلاق أو تحويل اتجاه بعض الشوارع.
في مجال حفظ الصحة والنظافة العامة
من المهام الجوهرية للجماعة أثناء التظاهرات الكبرى:
-
تعبئة المكتب الجماعي لحفظ الصحة لمراقبة جودة الأغذية والمشروبات.
-
مراقبة المطاعم والمقاهي والأكشاك المحيطة بالملاعب.
-
تنسيق عمليات جمع النفايات يوميًا قبل وبعد المباريات.
-
توفير فرق نظافة إضافية وحاويات مؤقتة في محيط الحدث.
-
الإشراف على حملات تحسيسية بيئية بشراكة مع الجمعيات.
هذه التدابير تندرج ضمن اختصاص الجماعة في المحافظة على الصحة العمومية (المادتان 83 و100 من القانون التنظيمي).
في مجال المرافق والتجهيزات الجماعية
تلعب الجماعة دورًا أساسيًا في:
-
تجهيز وصيانة الملاعب والمراكز الرياضية الجماعية.
-
تحسين المرافق المحيطة: الإنارة، الأرصفة، التشجير، الصرف الصحي.
-
تهيئة الفضاءات العمومية لاستقبال الجماهير والزوار.
-
تزويد المرافق بالماء والكهرباء والتجهيزات الضرورية.
-
التنسيق مع المجالس الإقليمية والجهوية لتمويل المشاريع المرتبطة بالبنية التحتية.
في مجال البيئة والجمالية الحضرية
يُعتبر الجانب البيئي من العناصر الأساسية لإنجاح أي تظاهرة.
تشمل مساهمة الجماعة:
-
تنظيف المدينة وتزيين الشوارع والساحات.
-
تشجير المساحات الفارغة وتحسين الإنارة العمومية.
-
إزالة الإعلانات العشوائية وتنظيم اللافتات الرسمية.
-
تشجيع مبادرات "مدينة نظيفة" بمشاركة المجتمع المدني.
ويتم ذلك في إطار اختصاص الجماعة في المحافظة على البيئة (المادة 83 من القانون التنظيمي).
في مجال التهيئة الحضرية والتعمير
تتدخل الجماعة في:
-
تسريع تراخيص الأشغال الخاصة بالبنيات التحتية المرتبطة بالتظاهرات (طرق، ممرات، مواقف، أسوار).
-
تسهيل الحصول على رخص الإصلاح أو الترميم للأحياء المجاورة.
-
ضمان التناسق العمراني والجمالي للمدينة قبل الحدث.
-
مراقبة احترام ضوابط البناء والسلامة داخل الورشات المجاورة للمنشآت الرياضية.
في مجال التواصل والتحسيس
التواصل الفعّال جزء لا يتجزأ من نجاح الحدث، وتشمل مهام الجماعة في هذا الباب:
-
إعداد خطة تواصلية محلية للتعريف بالإجراءات والمخططات التنظيمية.
-
توعية المواطنين بقواعد السير والنظافة والاحترام المتبادل.
-
استعمال موقع الجماعة وصفحاتها الإلكترونية لنشر التوجيهات الرسمية.
-
إشراك الجمعيات المحلية والتلاميذ والمتطوعين في حملات التنظيم والمساعدة.
في مجال المالية والجبايات المحلية
لتنفيذ هذه التدابير، تعتمد الجماعة على:
-
تعبئة مواردها الذاتية عبر الاعتمادات المرصودة في الميزانية العامة.
-
الاستفادة من الدعم المالي الجهوي أو الإقليمي أو من وزارة الداخلية.
-
ضبط الرسوم المتعلقة باستغلال المواقف والفضاءات التجارية المؤقتة.
-
إمكانية إبرام شراكات مع مقاولات محلية (رعاة، ممولون) للمساهمة في تمويل الأنشطة الموازية.
ثالثًا: آليات التنسيق والتعبئة بين المصالح الجماعية
نجاح الجماعة في أداء دورها رهين بمدى قدرتها على تنسيق جهود مختلف مصالحها، ومن ذلك:
-
المصلحة التقنية (تجهيز، نظافة، إنارة)
-
المصلحة الإدارية والمالية (الترخيص، الميزانية)
-
مصلحة الشرطة الإدارية (المراقبة الميدانية)
-
مصلحة التواصل والشؤون الاجتماعية (الإعلام والتحسيس)
-
مكاتب حفظ الصحة والبيئة (المراقبة الصحية والبيئية)
ويتم التنسيق مع السلطات المحلية في إطار لجنة محلية للتنظيم تضم ممثلين عن الجماعة، والأمن الوطني، والوقاية المدنية، ومندوبية الصحة، والشباب والرياضة.
الخاتمة
ختامًا، يمكن القول إن نجاح المغرب في تنظيم التظاهرات الرياضية الكبرى لن يتحقق فقط عبر المنشآت والبنيات التحتية، بل من خلال فعالية التدبير الترابي المحلي الذي تضطلع به الجماعات الترابية باعتبارها الحلقة الأقرب للمواطن والمجال.
إن الجماعة، بما تملكه من صلاحيات تنظيمية وإدارية وميدانية، تُعد فاعلاً أساسيًا في تأمين سير هذه التظاهرات، وضمان شروط النظام والنظافة والسلامة والجمالية، من خلال تفعيل مقاربة تشاركية تجمع بين الإدارة والمجتمع المدني والقطاع الخاص.
وبذلك تصبح التظاهرات الرياضية الكبرى فرصة حقيقية لتعزيز قدرات الجماعات الترابية في التخطيط والتدبير المندمج، وتجسيد مبادئ اللامركزية الفعلية والتدبير الحر التي نص عليها دستور المملكة لسنة 2011.
