موضوع امتحان الكفاءة المهنية EAP : حلل المسطرة التفاوضية في الصفقات العمومية كما نظمها المرسوم رقم 2.22.431، مبرزا شروط اللجوء إليها وإجراءاتها والضمانات القانونية المصاحبة لها ؟

top

 المقدمة:

تعدّ المسطرة التفاوضية إحدى الطرق الاستثنائية لإبرام الصفقات العمومية، إلى جانب طلب العروض والمباراة، وفقًا لما نصت عليه المادة 19 من المرسوم رقم 2.22.431 الصادر بتاريخ 8 مارس 2023.
وتأتي هذه المسطرة لتُمكّن صاحب المشروع من التعاقد بطريقة مرنة عندما تفرض طبيعة الأعمال أو ظروفها الاستثنائية ذلك، مع الحفاظ على مبادئ الشفافية والمنافسة وحسن استعمال المال العام المنصوص عليها في المادة الأولى من نفس المرسوم.
فما هي إذن شروط اللجوء إلى المسطرة التفاوضية؟ وما هي إجراءاتها وضماناتها القانونية؟


 العرض:

1. الإطار القانوني للمسطرة التفاوضية

وردت المسطرة التفاوضية في الفرع الثالث من الباب الرابع من المرسوم رقم 2.22.431، وتُعد من المساطر التعاقدية الاستثنائية، إذ لا يُلجأ إليها إلا في الحالات المحددة على سبيل الحصر من طرف المشرّع.
وتمكّن هذه المسطرة صاحب المشروع من إجراء مفاوضات مباشرة مع متنافس أو أكثر من أجل إسناد الصفقة وفق شروط محددة قانونًا.


2. شروط اللجوء إلى المسطرة التفاوضية

حددت المواد المنظمة للمسطرة التفاوضية الحالات التي تبرر اعتمادها، ومن أبرزها:

  1. عدم تلقي أي عرض مقبول بعد إجراء طلب عروض مفتوح أو محدود، رغم احترام جميع الإجراءات الشكلية.

    • (استنادًا إلى مقتضيات المادة 19 من المرسوم).

  2. الاستعجال المبرر الناجم عن أحداث غير متوقعة لا تسمح بتطبيق إجراءات الدعوة إلى المنافسة، شريطة أن لا يكون هذا الاستعجال نتيجة تصرف من صاحب المشروع.

  3. خصوصية وطبيعة العمل الذي لا يمكن تنفيذه إلا من طرف مقاول أو مزود أو خدماتي محدد، لأسباب تقنية أو فنية أو قانونية أو تتعلق بحقوق حصرية.

  4. العروض التلقائية (المادة 13) عندما تكون التكنولوجيا المقترحة حصرية ولا يمكن تكرارها من طرف متنافسين آخرين.

  5. الصفقات ذات الطابع السري أو الدفاعي أو الأمني التي تستوجب المحافظة على السرية المطلقة حفاظًا على المصلحة العامة.

إذن، فالمسطرة التفاوضية تظل استثناءً من مبدأ المنافسة وحرية الولوج إلى الصفقات العمومية، ولا يمكن اعتمادها إلا بتبرير قانوني مكتوب ضمن الملف الإداري للصفقة.


3. إجراءات المسطرة التفاوضية

تتم المسطرة التفاوضية وفق مراحل مضبوطة قانونًا، تضمن الحد الأدنى من الشفافية والمراقبة، وهي:

  1. إعداد الملف التبريري:
    على صاحب المشروع أن يحرر تقريرًا معللاً يبرر أسباب اللجوء إلى المسطرة التفاوضية (المادة 19).

  2. اختيار المتنافسين المؤهلين:
    يمكن لصاحب المشروع أن يختار متنافسًا واحدًا أو أكثر حسب طبيعة المشروع، مع مراعاة مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص.

  3. إجراء المفاوضات:
    تتم المفاوضات حول الثمن، الجودة، الأجل، وشروط التنفيذ، في جلسات رسمية يحرر بشأنها محاضر توقع من الأطراف المعنية.

  4. إسناد الصفقة:
    بعد انتهاء المفاوضات، يتم اختيار العرض الأكثر أفضلية من الناحية الاقتصادية (وفق المادة 43 من المرسوم)، وتحرير العقد وفق نفس الشروط المنصوص عليها في المادة 16 المتعلقة بوجوب الكتابة وتضمين دفتر الشروط الخاصة.


4. الضمانات القانونية لمسطرة التفاوض

رغم طابعها الاستثنائي، فقد أقرّ المرسوم عدة ضمانات للحفاظ على الشفافية والنجاعة، منها:

  • إلزامية التعليل والتبرير الكتابي للجوء إلى المسطرة (المادة 19).

  • توثيق جميع مراحل التفاوض بمحاضر رسمية.

  • احترام مبدأ المساواة بين المتنافسين المشاركين في التفاوض.

  • خضوع المسطرة لمراقبة اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية أو المصالح المالية المختصة عند الاقتضاء.


5. أهمية المسطرة التفاوضية

تُبرز هذه المسطرة مرونة النظام القانوني المغربي في تدبير الطلب العمومي، إذ تتيح:

  • التفاعل السريع مع الظروف الاستعجالية أو الاحتياجات التقنية الخاصة؛

  • ضمان الاستمرارية المرفقية دون المساس بالمبادئ العامة للشفافية والمساءلة؛

  • تحقيق توازن بين الفعالية القانونية والفعالية الاقتصادية في تسيير المال العام.


 الخاتمة:

تُعتبر المسطرة التفاوضية أداة قانونية فعالة، لكنها مشروطة بالاستعمال الرشيد والمتزن. فبينما تمنح المرونة لصاحب المشروع لتلبية الحاجات المستعجلة أو المعقدة، فإنها تخضع لرقابة دقيقة لتفادي الانحراف أو المحاباة.
إنّ المرسوم رقم 2.22.431 قد نجح في تحقيق هذا التوازن عبر تنظيمٍ دقيقٍ للمسطرة التفاوضية بما يضمن الشفافية، المساواة، والفعالية في الإنفاق العمومي، وهو ما يترجم روح الدستور المغربي في ربط المسؤولية بالمحاسبة.


المراجع القانونية:

  1. المرسوم رقم 2.22.431 الصادر في 8 مارس 2023 بشأن الصفقات العمومية – الباب الرابع، الفرع الثالث.

  2. دستور المملكة المغربية لسنة 2011، الفصول 36، 90، 92، و154.

  3. القانون التنظيمي رقم 130.13 المتعلق بقانون المالية.

  4. القانون رقم 69.00 بشأن المراقبة المالية للدولة على المؤسسات العمومية.

  5. آراء اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية (CNCP) وتوصياتها ذات الصلة بالمساطر التفاوضية.

هذا أحدث تدوينة في المدونة


التعبيراتالتعبيرات

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.