الحالة المدنية و تصحيح الإمضاء و الإشهاد على مطابقة النسخ لأصولها.. ضُبَّاط في خطر

top

بين الفينة و الأخرى تطالعنا بعض الصحف بأخبار، بعضنا لا يعيرها أدنى اهتمام، لبعدها عن انشغالاته وبعضنا ترتعد فرائصه وهو يقرأها، ليس لأنه المقصود بذلك الخبر، بل لأنه يرى  نفسه أنه كان قاب قوسين أو أدنى من أن يكون موضوعه.

الأمر يتعلق بأخبار اعتقال بعض الموظفين بسبب اتهامهم ب”التزوير”…علما أن الأمر قد لا يكون بالضرورة تزويرا، بالمعنى المتعارف عليه لدى الجميع لكن الإعلام و القضاء يتناولانه على أنه تزوير، بقصد الإثارة. هو ذاك، إذن، حال موظفي مصلحتي الحالة المدنية وتصحيح الإمضاء بمختلف ربوع المملكة ودون استثناء..

إن خطورة عمل موظفي الحالة المدنية أو موظفي تصحيح الإمضاء والإشهاد على مطابقة النسخ لأصولها، هي  ليست – فقط- بسبب تنوع وكثرة الوثائق التي يسلمونها أو  يباشرون خدمتها، بل أيضا بسبب  غياب أو سوء فهم أو حتى تضارب بعض النصوص القانونية المعمول به، أو  صعوبة احترامها أضف إلى ذلك أن ضعف الإمكانيات المادية والبشرية على الخصوص – كماََّ ونوعا- تساهم بشكل كبير في الرفع من حدة الخطورة على من أُوكلت لهم مهمة السهر على تسليم الوثائق وتقديم الخدمة بشكل قانوني وسليم.. وإليكم غيض من فيض…

في ميدان الحالة المدنية

كثيرة هي الأمور التي تبدو  بسيطة لعامة الناس، ولذلك فهم لا يتوانون في طلبها بكل عفوية وبساطة بريئة، لكن إذا ما رفض طلبهم أو قيد بشرط معين تراهم يستشيطون غضبا في وجه الموظفين متهمين إياهم بالسعي وراء عرقلة مصالحهم لسبب في نفس يعقوب، وقد يهددونهم بإبلاغ الأمر لرئيسهم- رئيس الجماعة- والذي غالبا ما ينحاز لجانب المواطن، ليس لأنه على صواب، بل لأسباب انتخابوية لا غير.

ولتوضيح الأمر أسوق مثالا بسيطا: قد يأتي مواطن عادي لمصلحة الحالة المدنية لطلب نسخة موجزة من رسم ولادة (عقد ازدياد) لأخته مثلا… ومن منا لم يسبق له القيام بذلك؟

الموظف ومن باب حرصه على تطبيق القانون المنظم للحالة المدنية (إن قصر فيه، يمكن معاقبته على ذلك) عليه مطالبة المعني بالأمر بالإدلاء بوكالة تخوله ذلك لأنه ليس معنيا بعقد الازدياد المطلوب، وهنا أترك لكم تخيل الجواب الذي يمكن لذاك المواطن أن يقوله لذاك الموظف، أنا سأعود بكم للمادة 32 من القانون رقم37.99 المتعلق بالحالة المدنية والتي جاء فيها حرفيا ما يلي:

“يسلم ضابط الحالة المدنية نسخا كاملة أو موجزة من الرسوم المضمنة بسجلات الحالة المدنية الممسوكة بالمكاتب التابعة له لصاحب الرسم ولأصوله وفروعه وزوجه – شريطة قيام العلاقة الزوجية- ووليه أو وصيه أو المقدم عليه، أو من يوكله على ذلك. كما يجوز للسلطات القضائية أو الإدارية و كذا الأعوان الديبلوماسيين والقناصل بالمغرب فيما يخص مواطنيهم طلب نسخ من هذه الرسوم. إذا تعلق الأمر بغير من ذكر في الفقرة السابقة، فلا يسلم ضابط الحالة المدنية نسخا من هذه الرسوم إلا بإذن من وكيل الملك يصدره بناء على طلب كتابي مبرر. إذا رفض وكيل الملك إعطاء الإذن المذكور ، أمكن للمعني بالأمر أن يرفع دعواه أمام المحكمة الابتدائية المختصة”.

يلاحظ إذن أن المشرع لم يعط الحق للأخ باستخراج رسوم ولادة إخوته إلا بموجب وكالة أو إذن من وكيل الملك أو حكم صادر عن المحكمة الابتدائية المختصة بل حتى الزوج لا يحق له استخراج “عقود ازدياد” زوجه إلا كانت العلاقة الزوجية لازالت قائمة، وما هي في نظركم وسائل إثبات استمرار العلاقة الزوجية؟ والتي لا يمكن إثباتها بالإدلاء بعقد الزواج على كل حال لأن المطلق نفسه يمكنه ذلك.

تصحيح الإمضاء و الإشهاد على مطابقة النسخ لأصولها

فيما يتعلق بميدان تصحيح الإمضاء والإشهاد على مطابقة النسخ لأصولها، فالطامة أكبر، ففي نظري، جاهل من الموظفين و غيرهم- أيا كان- من يظن أنه باستطاعته القيام بهذه المهام دون خطأ، لأن الأخطاء المحتمل ارتكابها هنا متعددة الأوجه والأشكال؛ منها ما هو مرتبط بالقانون، ومنها ما هو مرتبط بالمرتفقين وضبط هوياتهم- كما يجب- ومنها ما هو مرتبط بالوثائق نفسها ومدى قانونيتها.

في ميدان تصحيح الإمضاء:

الأصل في الخدمة هو التأكد من هوية الموقع على الوثيقة والإشهاد على أن فلان الفلاني هو من صحح إمضائه على تلك الوثيقة بغض النظر عن مضمون الوثيقة، إن كان  قانونيا أم لا، وهذا هو الصواب، لأن الموظف المكلف بتصحيح الإمضاء لا ولن يستطيع معرفة كل القوانين المنظمة لكل المعاملات التي يباشر تصحيح الإمضاء عليها، وحتى إن علم بعدم قانونية معاملة ما، فالأصل أنه لا يهمه الأمر على اعتبار أن العقد شريعة المتعاقدين وأن أي تنازع عليه، فمحاكم المملكة هي من يرجع لها اختصاص البث في النزاع… لكن الواقع العملي لهذه الخدمة يسير عكس هذا الاتجاه كما سأوضح:

وزارة الداخلية- الوصية على الجماعات المحلية-  بين الفينة والأخرى، تبعث بدوريات ومناشير، تتعلق بتصحيح الإمضاء وتطلب التقيد بها، وهي، في واقع الحال، تقيد العمل الرئيسي المنوط بالموظفين المكلفين بهذه المهمة، لأنها تطلب منهم الدخول في متاهات قانونية، هم، في الأصل، بعيدون عنها، ومن شأنها أن تشوش عليهم، وتؤثر سلبا على أدائهم لمهامهم و الأمثلة هنا كثيرة، من بينها، على سبيل المثال لا الحصر، ما يتعلق بالسيارات المرقمة بالخارج، أو  بالشاحنات، أو بالعقارات كالأراضي المسماة سلالية أو عرشية أو دور الصفيح … إلخ

يذكر أن موضوع الأراضي السلالية كثيرا ما كان وراء اعتقال عدد من الموظفين و المنتخبين بحجة تصحيح إمضاء بيعها. وهذا ظلم في نظري، لأن بيع الأراضي السلالية ممنوع بالنص القانوني… وبالتالي فإن أي تصرف ينصب على هذه الأراضي، من بيع أو شراء هو غير قانوني و -بقوة القانون- أي أننا لسنا بحاجة لاستصدار حكم قضائي لتأكيد ذلك.

جرت العادة أن الفلاحين وغيرهم من الر اغبين في شراء أرض سلالية أن يلجؤوا لاستعمال عبارات لا تفيد البيع بشكل واضح ومباشر، لكنهم يعبرون عن ذلك بصيغ متعارف عليها من قبيل: “عقد شراء حق التصرف في أرض عرشية”، مثلا،  دلالة منهم أن الشراء ينصب على حق التصرف وليس على الأرض في حذ ذاتها أو “عقد بيع زينة دار” بالنسبة للمنازل المتواجدة بالأحياء الهامشية، وبغض النظر عن مدى قانونية مثل هذه التصرفات،  والذي تحمي بشكل أو بآخر حقوق الأطراف، وإن بشكل جزئي، فإني أرى أنه من الحيف بمكان إنزال عقوبة ما على موظفي تصحيح الإمضاء لأن المهم عندهم هو أن أطراف العقد حضروا لدى المصلحة وصححوا إمضاءاتهم؛ ما عدا ذلك فالأمر يرجع للمحكمة وإلا سيصبح موظف تصحيح الإمضاء بمثابة قاض يمنع كل العقود غير المستوفية للشروط القانونية، وما أكثرها، وآنذاك ستتعطل مصالح المواطنين وستضطر هذه المصالح لفتح قاعات خاصة يتراشق فيها الإداريون مع المواطنين في مدى قانونية وثائقهم. بناء على ما سلف وغيره، أرى أنه يجب عدم محاسبة موظفي تصحيح الإمضاء على أمور هي خارج اختصاصاتهم…

أما موضوع التأكد من هوية الأشخاص، فأظن أنها أخطر و أصعب عملية يقوم بها الموظف، لأنها مسؤوليته الرئيسية الحاسمة أولا، ولأن التحايل فيها سهل بالنظر لظروف العمل ناهيكم عن عواقبها الخطيرة جدا.

مسألة أخرى أرى أن لها بالغ الأهمية في تقديم الخدمة للمرتفقين في أحسن الظروف وبشكل قانوني، ورغم ذلك فلا الوزارة الوصية (وزارة الداخلية)، ولا وزارة العدل، ولا الجماعات المحلية ولا السلطات المحلية استشعروا  أهميتها وقاموا بها.. إنها يا سادة مسألة التكوين والتكوين المستمر.

فعلى امتداد سنين خلت، لم أسمع يوما بأن جهة مسؤولة ما، انتبهت لهذا الموضوع، ونظمت دورة تكوينية لفائدة رؤساء وموظفي مصالح تصحيح الإمضاء والإشهاد على مطابقة النسخ لأصولها، على الأقل لتوحيد الاجتهاد وتلاقح التجارب بين مختلف المتدخلين وتحيين المعطيات.

الإشهاد على مطابقة النسخ لأصولها:

هي عملية تبدو بسيطة للغاية كذلك، على اعتبار أن الموظف يكتفي بمقارنة الوثيقة الأصلية بالنسخة، التي غالبا ما تكون في شكل صورة شمسية (فوطوكوبي)، يضع الطابع المخصص لذلك ويخصعها لتوقيع المسؤول و كفى.

لكن هل تعلم أخي القارئ/أختي القارئة أن هذه العملية نفسها غير يسيرة، والسبب الرئيسي في ذلك راجع إلى الوسائل التكنولوجية الحديثة التي يسرت بشكل كبير تزوير الوثائق على اختلاف أشكالها.

حاليا، أصبح سهلا جدا تقليد أي وثيقة رسمية أو غير رسمية…فقد تمسك بوثيقة تقلبها ذات اليمين وذات الشمال وتجزم أنها أصلية، لكنها في الواقع غير ذلك.

لا غرو، إذن، أن تجد من يؤكد لك أن فلان الفلاني تم توظيفه بناء على وثائق مزورة، قبلت دون مواربة أو أدنى شك فيها…كما لن تستغرب توفر شخص ما، على عدد من نسخ، مصادق على مطابقتها للأصل، من ديبلومات مختلفة، أو شواهد جامعية عليا، هي في ظاهرها سليمة، لكنها في الواقع مزورة… ولا تستغربوا إن قيل لكم أن هذه الوثائق، كلها، مصادق عليها في منزل المعني بأمرها أو منزل صديقه البارع في استعمال الفوطوشوب وغيره من البرامج المتطورة. وقد تجدون بعض هذه الوثائق حاملة لطوابع الحالة المدنية و-حتى-  بها بعض وسخ المداد للدغمشة.

كيف يمكن للموظف، إذن، والحال على ما هو عليه، أن يميز، مثلا، بين أصول شواهد الإراثة أو الزواج أو البيع و الشراء أو الوكالات أو الاعتراف بدين و…و…الحقيقية منها و المزورة.؟

و هل- في نظركم- ستقتنع المحكمة ببراءة الموظف، إن هو أخطأ؟ أم أنه سيؤدي ثمن حظه العاثر الذي أوجده في المكان غير المناسب وتجعل منه المحكمة كبش فداء، وتقضي –بالتالي- على مستقبله ومستقبل أسرته لمجرد أن ما يسمى بالحقيقة القضائية كانت ضده؟.

ختاما،

هذا غيض من فيض، كما أسلفت، وما قصدي من هذا المقال إلا إثارة الانتباه لموضوع شبيه بالآيسبورغ (جبل الثلج)، لا يرى منه إلا الجزء اليسير جدا . وكلي أمل أن يثار هذا الموضوع بشكل مسؤول لدى كل المراجع المعنية، وتعالج اختلالاته بالحكمة وسن القوانين اللازمة له، آخذة بعين الاعتبار تكوين الموظفين وظروف عملهم المادية والمعنوية، وعدم اعتبار هاتين المصلحتين مأوى للمغضوب عليهم من الموظفين مهما dكانت تخصصاتهم أو مأوى من لا مأوى له.

عن الميلود الشاوي بتصرّف

 


التعبيراتالتعبيرات

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.